المحتوى
مقدمة 3
المطلب الأول: ما هي الأدوية والعلاجات المحرمة وما نوع التحريم؟ 6
المطلب الثاني: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهل تجوز إعانتهم على المعصية؟ 10
الفريق الأول: الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ولا يحل إعانتهم على المعاصي 11
الفريق الثاني: لا، الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة 26
المطلب الثالث: هل للدار أثر؟ 39
المطلب الرابع: هل للحاجة وعموم البلوى وعسر الاحتراز أثر؟ 48
المطلب الخامس: ما الحكم في التطبيقات المختلفة؟ 53
مقدمة
بسم الله والحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بلغ عن ربه فأتم البلاغ، وبين لنا شرائع ديننا في شتى مناحي الحياة، حتى غبطنا على بيانه أهل الكتاب. فاللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع ملته إلى يوم الدين. أما بعد،
فإن موضوع تطبيب المسلم لغير المسلم ليس بجديد، ولا العكس، فإن صناعة الطب من المشترك الإنساني الذي لا ينبغي أن يقف عند حدود الدين أو العرق أو غيرها، وما زال المسلمون وغير المسلمين يطبب بعضهم بعضًا، ولكن كان الأكثر في بلاد المسلمين تطبيب غير المسلمين للمسلمين، ومن ثم لا نجد للفقهاء كلامًا مفصلًا عن قواعد تطبيب المسلم لغيره، ولعل من أسباب ذلك أيضًا أن المرض سبب للتيسير، وأن كثيرًا من الفقهاء يجيزون التداوي بالمحرمات أو أكثرها عند عدم البدائل، ولم تكن ممارسة الجراحة في أزمنتهم كما هي عليه الآن، ومنها أن كثيرًا من فقهائنا لا يرون دين المريض مؤثرًا فيما يحل للطبيب ممارسته، لأنهم يرون غير المسلمين مخاطبين بفروع الشريعة.
وفي زماننا هذا، كثر وجود الأطباء المسلمين في البلاد غير الإسلامية وتطبيبهم لغير المسلمين، والولايات المتحدة الأمريكية من أكثر البلاد التي تتحقق فيها هذه الظاهرة. كذلك، فقد ظهرت في أزمنتنا هذه أنواع من العمليات الجراحية ووسائل الطبابة التي لم تعهد من قبل.
ولقد طلب مني كتابة بحث في حكم وصف الطبيب المسلم الأدوية والعلاجات المحرمة لغير المسلمين لتقديمه إلى المؤتمر السنوي لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، فأجبت إلى ذلك.
وقد رأيت أن مدارك الحكم في هذه القضية يمكن اختصارها فيما يأتي: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة؟ وهل تجوز إعانتهم على المعصية؟ وما هو ضابط الإعانة والذرائع التي تسد؟ وهل للدار أثر على تلك الأحكام؟ وهل للحاجة وعموم البلوى وعسر الاحتراز أثر؟ فقسمت البحث ستة أقسام: مقدمة وخمسة مطالب، فإليك عناوينها:
- ما هي الأدوية والعلاجات المحرمة وما نوع التحريم؟
- هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهل تجوز إعانتهم على المعصية؟
- هل للدار أثر على تلك الأحكام؟
- ما الحكم في التطبيقات المختلفة؟
وقد اخترت أن أورد كلام أهل العلم بنصه حتى يكون بين يدي القارئ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه.
والله المسؤول أن يرزقنا الإخلاص والسداد!
المطلب الأول: ما هي الأدوية والعلاجات المحرمة وما نوع التحريم؟
أذكر هنا ملخص بحثي الموسوم بحكم استعمال المخدرات في التداوي[1]، وفيه تفصيل الكلام عن حكم التداوي بالمحرمات عمومًا.
اتفق الفقهاء على عدم جواز التداوي بالمحرم والنجس من حيث الجملة، مع وجود البديل الحلال،[2] ويكادون يتفقون على عدم جواز التداوي بالخمر الصرفة في أي حال.[3]
ولكنهم اختلفوا في تفاصيل التداوي بالمحرمات، فأباح الحنفية التداوي بالنجس والمحرم إن علم أن فيه شفاءً، ولم يوجد بديل، وأولوا ما جاء في المنع على أنه بخصوص داء عرف له دواء غير المحرم، أو أن الحرمة تنكشف عند الحاجة.[4]
وعمم المالكية المنع في كل نجس ومحرم، مخلوط أو صرف، مشروب أو طلاء، إلا الطلاء يخشى بتركه الموت.[5]
ومنع الشافعية من المسكر، ولكن المذهب جواز النجس والمحرم الصرف سوى المسكر،[6] أما المستهلك في دواء آخر فيجوز اتفاقًا عندهم، إن عدم البديل.[7]
أما الحنابلة فمنعوا كل محرم ومستخبث كبول مأكول اللحم إلا الإبل، وجوزوا الدواء المسموم، إن غلبت منه السلامة، والتداوي بالمحرم والنجس من غير أكل أو شرب،[8] كما صرحوا – خلافًا للشافعية[9] – بتحريم التداوي بسماع الغناء المحرم لعموم نهيه ﷺ.[10]
ومن الفقهاء من صرح بأن التداوي ضرورة، وهؤلاء يبيحون للمتداوي كل ما يصلحه، حتى الخمر، وهو خلاف ظاهر الأحاديث المانعة.[11]
وهل أنواع المخدرات التي تستعمل في الطبابة تلحق بالخمر؟ هذا ما أجيب عليه في البحث المشار إليه سابقًا، وخلاصته ما يأتي:
إن الطب الحديث أثبت أن المخدرات تسبب أمراضًا خطيرة، وأنه يصدق في التداوي بها قول كليب وائل: والمستجير بعمرو عند كربته … كالمستجير من الرمضاء بالنار، والعبرة هنا في تحديد الرمضاء والنار بقول الخبراء، وهم هنا الأطباء، وهم من يستعمل هذه الأدوية في علاج بعض الأدواء. والصواب هو التفريق بين السكر الذي يحصل عند تعاطي الخمر والحالة التي تحصل عند تعاطي المخدرات والتي لا يكون فيها ما في الأولى من طرب وإثارة وعربدة، ومن ثم فتلك المخدرات محرمة لتغييب العقل والإفتار والضرر، ولكنها ليست خمرًا، ومن ثم يجوز التداوي بصرفها، وإن كان المنصوح به خلطها مع غيرها من المسكنات خروجًا من الخلاف الأشد إذ التداوي بمعجون الخمر عند من يتمسك بكونها خمرًا أهون من التداوي بصرفها، وبحله يقول جمع غفير من أهل العلم.
كل ما سبق كان عن حكم المداواة بالأدوية النجسة والمحرمة، والأمر فيها خلافي كما رأينا سوى الخمر الصرفة، فإنها وإن وقع فيها الخلاف إلا أنها مما اتفقت على المنع منها كلمة الجماهير العظيمة من أهل العلم، وهو المؤيد بالأدلة. لكن، مع تطور الصناعة الطبية، ظهرت أنواع أخرى من العلاجات، ومنها ما يقع فيه الخلاف كبعض عمليات التجميل والإجهاض قبل نفخ الروح، ومنها ما يقطع بتحريمه، كعمليات تحويل جنس الأصحاء والإجهاض بعد نفخ الروح مع عدم وجود خطر على الأم، ومنها ما يكون المحذور أمرًا من خارجها كتلقيح بييضة امرأة بمني غير صاحب فراش.
المطلب الثاني: هل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهل تجوز إعانتهم على المعصية؟
هذه مسألة من مسائل الفقه الإسلامي المهمة والتي تستأهل البحث والتدقيق، سيما ممن تكثر مخالطتهم لغير المسلمين، كالأقليات المسلمة خارج بلاد المسلمين. وفي المسألة ستة أقوال:
- مخاطبون بفروع الشريعة
- غير مخاطبين بفروع الشريعة
- مخاطبون، لكنه خطاب معاقبة في الآخرة لا مطالبة في الدنيا
- مخاطبون بالنواهي دون الأوامر
- مخاطبون بالأوامر دون النواهي
- المرتد مخاطب دون الكافر الأصلي
وسؤال المطلب مركب، وإن كان ثمة انفكاك بين طرفيه، لكن لا يخفى أن القائل بمخاطبتهم بفروع الشريعة سيضيق فيما يحل للمسلم من أنواع التعامل معهم المؤدية إلى إعانتهم على المعصية. ولتسهيل إدراك المسألة، يمكن أن يقال في الجواب إن هناك ثلاثة اتجاهات رئيسة.
- نعم، الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ولا يحل إعانتهم على المعاصي.
والقائلون بهذا هم الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية
- لا، الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، فترى هذا الفريق يجوزون للمسلم كثيرا مما يعده مخالفوهم إعانة على المعاصي، ما لم يتلبس المسلم بمباشرة المحرم
والقائلون بهذا هم جمهور الحنفية ووقع القول به من جهة الأصول عند بعض المالكية والشافعية والحنابلة، وإن كان تفريعهم عليه قليلا
والفرق بين هؤلاء وسائر القائلين بخطابهم لطيف، فلم يطالب القائلون بخطابهم الكفار بالعبادات، فهم يوافقون هذا الفريق على عدم المطالبة من تلك الجهة، ولكن هذا الفريق يؤكدون على هذا المعنى فيتوسطون بين الفريقين ويجوزون للمسلم بعض ما يجوزه الفريق الثاني ويمنعون بعضه.
وإلى هذا القول ذهب الإمام تقي الدين ابن تيمية، ووافقه جمع من أهل العلم.
وهذا عرض بأقوالهم وأدلتهم
الفريق الأول: الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ولا يحل إعانتهم على المعاصي
وقد ذهب إلى هذا القول الشافعية والحنابلة في الصحيح، وهو مقتضى قول مالك وأكثر أصحابه، وهو قول العراقيين من الحنفية.[12]
أهم أدلة هذا الفريق:
- قوله تعالى : “مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ” [المدثر: 42-43]
وقوله تعالى : “إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ” [الحاقة: 33-34]
ووجه الدلالة من الآيات أنهم يعذبون لتركهم لهذه الفروع من الصلاة والصدقة، وهناك غيرها كثير مما جاء فيها ذمهم على ترك الطاعات وفعل المحرمات.[13]
- ومنها قوله r: “مَنْ أَحْسَنَ فِي الْإِسْلَامِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ وَالْآخِرِ.” رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود. والحديث يدل على مؤاخذته بما اقترف حال كفره.
- ومنها قوله r: “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ على الله.” رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر وأبي هريرة. قال الإمام الخطابي – رحمه الله: “وفي هذا الحديث حجة لمن ذهب إلى أن الكفار مخاطبون بالصلاة والزكاة وسائر العبادات، وذلك لأنهم إذا كانوا مقاتلين على الصلاة والزكاة فقد عقل أنهم مخاطبون بهما.”[14]
- وقالوا إن الكفر لا يصلح للتخفيف برفع التكليف.[15] وأجاب الحنفية – كما يأتي – بأنه ليس تخفيفًا.
- وجوب حد الزنا والسرقة على أهل الذمة عقوبة لهم على فعلهم.[16] وقد يجاب عليه بأنه خارج محل النزاع، ولكن للجمهور الاعتراض على التفريق.
- وأجابوا عن الاعتراضات بما يأتي: “فإن قال قائل: “كيف يجوز أن يكونوا مخاطبين بها ولا يصح منهم فعلها قبل الإسلام في حال الكفر”، قيل له: لأنه قد جعل لهم السبيل إلى فعلها بأن يسلموا ثم يأتوا بها، كما أن الجنب لا يصح منه فعل الصلاة في حال الجنابة، ولم يسقط عنه فرضها، إذ كان قد جعل له السبيل إلى فعلها بطهارة يقدمها أمامها، كذلك الكافر قد جعل له السبيل إلى التمسك بشرائع الإسلام بأن يقدم أمامها فعل الإيمان. فإن قال: لو كانوا مخاطبين بها لما جاز إقرارهم على تركها كالمسلمين، قيل له: هم مخاطبون بالإيمان عند الجميع وقد أقروا على تركه بالجزية، كذلك شرائعه.”[17]
وإليك جملة من نصوصهم في هذا الشأن وتطبيقاتهم
قال أبو بكر الجصاص الحنفي “والكفار مكلفون بشرائع الإسلام وأحكامه كما هم مكلفون بالإسلام.” [18]
فالحنفية إذا ليسوا على قول واحد في هذا الباب، وإن كان المعتمد عندهم عدم مخاطبتهم.
أما المالكية، فيذكرون خلافًا في خطاب الكافر ويفرعون عليه، ففي التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب: “وإذا كان تجره للسيد وهو نصراني لم يجز لسيده تمكينه من تجر في خمر ونحوه، فإن كان لنفسه ففي جواز تمكينه: قولان، لأنه إذا تجر لسيده فهو كوكيل له فلذلك لا يجوز لسيده أن يمكنه من شراء خمر ونحوه، وأما إن تجر لنفسه وعامل أهل الذمة فقولان أجراهما اللخمي على أنهم: هل هم مخاطبون بفروع الشريعة فلا يمكن، أم ليسوا بمخاطبين فيمكن؟ وقد يجريان على أن من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا؟ اللخمي: وكان لابن عمر رضي الله عنهما عبد نصراني يبيع الخمر فمات فورثه.”[19]
لكن المعتمد عندهم، والذي استقر التفريع عليه، هو مخاطبتهم، ففي مواهب الجليل: “وقد ذكر ابن رشد في البيان أن إجارة المسلم نفسه من النصراني واليهودي على أربعة أقسام: جائزة ومكروهة ومحظورة وحرام،
- فالجائز أن يعمل له المسلم عملا في بيت نفسه كالصانع [كالحائك والقصار] الذي يعمل للناس،
- والمكروهة أن يستبد بجميع عمله من غير أن يكون تحت يده مثل أن يكون مقارضا، أو مساقيا،
- والمحظورة أن يؤاجر نفسه في عمل يكون فيه تحت يده كأجير الخدمة في بيته وإجارة المرأة لترضع له ابنته في بيته، وما أشبه ذلك فهذه تفسخ إن عثر عليها، فإن فاتت مضت، وكانت لها الأجرة،
- والحرام أن يؤاجر نفسه منه فيما لا يحل من عمل الخمر أو رعي الخنازير، فهذا يفسخ قبل العمل، فإن فات تصدق بالأجرة على المساكين.”[20]
وفي التبصرة للخمي تفصيل حسن لدرجات المنع. قال – رحمه الله:
“ومن “المدونة” قال مالك: لا يعجبني أن يكري الرجل داره ممن يتخذها كنيسة ولا يبيعها ممن يتخذها كنيسة، ولا يبيع شاته من مشرك يذبحها لعيده، ولا يكري حانوته لمن يبيع فيها خمرًا، ولا يؤاجر نفسه ولا دابته في حمل خمر، فإن فعل فلا أجر له، ويفعل فيه إن قبض أو لم يقبض بمنزلة ما وصفت لك في ثمن الخمر، فجعله بمنزلة من باع خمرًا.
وقال في “العتبية”: “إن أكرى دابته لمن يصل عليها إلى الكنيسة، أو باع شاته من نصراني ليذبحها لعيده مضى، ولم يرد. وإن أكرى حانوته ممن يبيع فيه خمرًا أو عنبه ممن يعصره خمرًا فسخ، فإن فات مضى ولم يرد. فأباح له أخذ الثمن… قال الشيخ أبو الحسن: أخف هذه الأشياء كراء الدابة لمن يصل عليها إلى الكنيسة، وبيع الشاة لعيده، ثم بيع العنب ممن يعصره خمرًا، وبيع الدار ممن يتخذها كنيسة، ثم كراء الحانوت ممن يبيع فيها خمرًا، وكذلك الدار ممن يتخذها كنيسة، ثم إجارة الإنسان نفسه ممن يحمل له خمرًا أو يرعى له خنازير، وهذا أشدها.”[21]
والظاهر من كلام السادة المالكية أن:
- مباشرة المسلم للمحرم كحمل الخمر ورعي الخنازير محرم عندهم، ولا يستحق الأجر، وقد اختلفوا في قبضه من الكافر والتصدق به إن كان قد أدى العمل، أو تركه، ورجحوا الأول وهو اختيار ابن القاسم.[22]
- والدرجة الثانية عندهم التي عبروا عنها بالحظر دون التحريم، وهو ما منع سدًا للذريعة، والمالكية والحنابلة يقولون به، أو ما ظهر فيها إذلال المسلم للكافر بخدمته له في بيته، وفسخوا العقد، ولكنهم اختلفوا في إباحة الثمن بعد أداء العمل، والصحيح أن الثمن له، لكن “إن واجره على حمل زق زيت معين بعشرة فظهر أنه خمر تصدق بفضل قيمة حمله خمرًا على المسمى.”[23]
- والدرجة الثالثة التي عبروا عنها بالكراهة هي التي راعوا فيها معنى إذلال المسلم لنفسه بخدمة الكافر بأن يستبد بجميع عمله من غير أن يكون تحت يده مثل أن يكون مقارضا أو مساقيا. وقد أباحوا له الثمن في هذه الحالة.
- وأجازوا للمسلم أن يعمل للكافر عملا في بيت المسلم كالحائك الذي يعمل للناس، وعمل الطبيب قريب من هذا.
أما الشافعية، فالأمر عندهم، وإن وقع شيء من الخلاف، مستقر على خطابهم وحرمة إعانتهم، وفي تحفة المحتاج: “… لأنهم مكلفون بالفروع، ولم ينكر عليهم كالكفر الأعظم لمصلحتهم بتمكينهم من دارنا بالجزية ليسلموا، أو يأمنوا. … وإنما جاء الشرع بترك التعرض لهم، والفرق أن التقرير يوجب فوات الدعوة بخلاف ترك التعرض لهم، لأنه مجرد تأخير المعاقبة إلى الآخرة. انتهى. ولكون ذلك [بناء الكنائس] معصية حتى في حقهم أيضا، أفتى السبكي بأنه لا يجوز لحاكم الإذن لهم فيه، ولا لمسلم إعانتهم عليه، ولا إيجار نفسه للعمل فيه، فإن رفع إلينا فسخناه.[24]
ويبين النووي الفرق بين المخاطبة والمطالبة ويشير إلى الاتفاق عندهم على عدم المطالبة والاختلاف في المخاطبة، فيقول: “وأما الكافر الأصلي فاتفق أصحابنا في كتب الفروع على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من فروع الإسلام. وأما في كتب الأصول، فقال جمهورهم هو مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الإيمان، وقيل لا يخاطب بالفروع، وقيل يخاطب بالمنهي عنه كتحريم الزنا والسرقة والخمر والربا وأشباهها دون المأمور به كالصلاة. والصحيح الأول، وليس هو مخالفا لقولهم في الفروع، لأن المراد هنا غير المراد هناك، فمرادهم في كتب الفروع أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم وإذا أسلم أحدهم لم يلزمه قضاء الماضي ولم يتعرضوا لعقوبة الآخرة؛ ومرادهم في كتب الأصول أنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر.”[25]
أما الحنابلة، فقد وقع عندهم الخلاف في الأصل والتفريع، وإن كان المذهب هو مخاطبتهم بفروع الشريعة وعدم جواز إعانتهم على المعاصي. وهذا تفصيل حسن من ابن اللحام – رحمه الله – قال فيه: “الكفار مخاطبون بالإيمان إجماعاً، وبفروع الإسلام في الصحيح عن أحمد. وفي رواية: لا يخاطبون بالأوامر، ويخاطبون بالنواهي. وحكى بعض أصحابنا رواية: أنهم غير مخاطبين بشيء من الفروع، الأوامر والنواهي.
إذا تقرر هذا: فهل يظهر للخلاف فائدة في الدنيا، أو فائدة التكليف – إذا قلنا به – زيادة العقاب في الآخرة؟ غالب الأصوليين: أن فائدته زيادة العقاب في الآخرة فقط. وقيل: للخلاف فائدة في الدنيا. والذي يظهر: أن بناء الفروع التي تتعلق بالكفار على الخلاف في المسألة غير مطرد ولا منعكس في جميعها.
مسائل تتعلق بالكفار بناها بعضهم على التكليف بالفروع وعدمه:
الأولى: أن الزوج لا يُجبِر الذمية على غسل الحيض، وأنه يطأ بدونه.[26] ولعل هذا مبني على أنهم ليسوا بمخاطبين. …
الرابعة: هل يجوز للكافر لبس الحرير؟ المذهب: لا يجوز. وبناه بعض الأصحاب على القاعدة. واختار أبو العباس ابن تيمية: الجواز…
السادسة: أن أهل الذمة هل يمنعون من إظهار الأكل والشرب في نهار رمضان؟ المذهب: يمنعون. وهذا قد يكون مبنيًّا على تكليفهم.”[27]
وللحنابلة تفريع آخر على هذه المسألة، وهو جريان الربا بين المسلم والحربي في دار الحرب، ففي معونة أولي النهى: “(ويحرم الربا بدار حرب)؛ لعموم الكتاب والسنة، ولأن دار الحرب كدار البغي؛ لأنه لا يد للإمام عليها، (ولو بين مسلم وحربي) بأن يأخذ المسلم زيادة من الحربي؛ لما تقدم، ولنص الإمام على تحريمه مطلقاً. وعنه، لا يحرم بين مسلم وحربي لا أمان بينهما؛ لما روى مكحول مرفوعاً: “لا ربا بين المسلم وأهل الحرب في دار الحرب “.ورد: بأنه خبر مجهول لا يترك به تحريم ما دل عليه القرآن والسنة.”[28]
وفي إجارة المسلم للذمي، إن كانت لعمل في الذمة، فالمذهب الجواز قطعًا. وإن كانت لعمل مباح غير الخدمة مدة معلومة، فروايتان، والمذهب الجواز. وإن كانت للخدمة، فروايتان، والمذهب المنع (وفاقًا للمالكية وخلافَا للحنفية والشافعية في الجديد). وإن كانت لعمل مكروه، فمكروهة، ولعمل محرم، فحرام. وفي كشاف القناع: “(ولا بأس أن يَحفِرَ للذمي قبرًا بالأجرة) كبناء بيت له بالأجرة. (ويُكره) دفن المسلم للذمي (إن كان) المدفون فيه (ناووسًا) لأن فيه إعانة على مكروه. والناووس: حجر يُنقر ويُوضع فيه الميت.”[29]
وفي الإنصاف: “تجوز إجارة المسلم للذمي، إذا كانت الإجارة في الذمة [كخياطة الثوب وقصارته]، بلا نزاع أعلمه. ونص عليه في رواية الأثرم. قال ابن الجوزي في المذهب: يجوز على المنصوص…
وفي جواز إجارته له لعمل غير الخدمة مدة معلومة، روايتان. وأطلقهما في الفروع والنظم؛ إحداهما، يجوز؛ وهو المذهب… والثانية، لا يجوز ولا يصح.
وأما إجارته لخدمته، فلا تصح. على الصحيح من المذهب، ونص عليه في رواية الأثرم… وعنه، يجوز.”[30]
ولا يجوز بيع محرم لهم كالأدهان النجسة، وإن وقع فيه خلاف:
وفي الشرح الكبير، يقول الإمام ابن أبي عمر – رحمه الله:
“(ولا يجوز بيع الادهان النجسة) في ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه لأن أكله حرام لا نعلم فيه خلافا لأن النبي r سئل عن الفأرة تموت في السمن فقال “إن كان مائعاً فلا تقربوه” – من المسند. وإذا كان حرامًا، لم يجز بيعه، لقول النبي r “إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه”، ولأنه نجس فلم يجز بيعه قياساً على شحم الميتة.
وعنه: يجوز بيعه لكافر يعلم نجاستها، لأنه يعتقد حلها ويستبيح أكلها، ولأنه قد روي عن أبي موسى: “لتوا به السويق وبيعوه ولا تبيعوه من مسلم وبينوه.” والصحيح الأول، لقول النبي r “لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها، إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه.” متفق عليه. ولأنه لا يجوز بيعها من مسلم فلا يجوز بيعها لكافر كالخمر والخنزير فإنهم يعتقدون حله، ولا يجوز بيعه لهم، ولأنه دهن نجس، فلم يجز بيعه لكافر كشحوم الميتة. قال شيخنا [الموفق] ويجوز أن يدفع إلى الكافر في فكاك مسلم، ويعلم الكافر بنجاسته، لأنه ليس ببيع في الحقيقة إنما هو استنقاذ المسلم به.”[31]
ولا يجوز عند الحنابلة بيع العنب لمتخذها خمرًا من أهل الذمة، ففي كشاف القناع: “(ولا يصح بَيْعُ ما قُصِدَ به الحرام، كعِنَبٍ و) كـ (ـعصير لمتَّخذِهما خمرًا) وكذا زبيب، ونحوه (ولو) كان بيع ذلك (لذمِّي) يتخذه خمرًا؛ لأنهم مخاطَبون بفروع الشريعة (ولا) بيعُ (سلاح، ونحوه في فتنة)، أو لأهل حَربٍ، أو لِقُطَّاع طريق، (إذا علم) البائع (ذلك) من مشتريه (ولو بقرائن) لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.[32] بل كره أحمد أن يؤاجر الرجل نفسه لنظارة كرم النصارى؛ قال؛ لأن أصل ذلك يرجع إلى الخمر إلا أن يعلم أنه يباع لغير الخمر فلا بأس.”[33]
بل ولا يصح بيع الخمر، ولو بين ذميين، وفي كشاف القناع: “(ولا) يصح (بيع لَبَنِ رَجُل) فلا يضمن بإتلاف (ولا) بيع (خمر ولو كانا) أي: المتبايعان (ذِميين) لحديث جابر: سمعت رسول الله r يقول: “إنَّ الله ورسولهُ حرَّمَ بيعَ الخمرِ والميتةِ والخنزيرِ والأصنامِ” متفق عليه.”[34]
لكن إن باعوها، جاز لنا عند الحنابلة أخذ ثمنها في ثمن مبيع أو إجارة، وفي كشاف القناع: “(ويجوز أخذ ثمن الخمر والخنزير عن الجزية والخراج إذا تولوا بيعها وقبضوه) أي: الثمن، لأنه من أموالهم التي نقرهم على اقتنائها كثيابهم. قال في أحكام الذمة قلت: ولو بذلوها في ثمن مبيع أو إجارة أو قرض أو ضمان أو بدل متلف، جاز للمسلم أخذها وطابت له.”[35]
ولا يجوز عند الحنابلة أن نعينهم على معصية ثابتة عليهم، وإن لم نعدها معصية، ففي شرح المنتهى للبهوتي: “(ويحرم علينا إطعامهم) أي اليهود (شحما) محرما عليهم (من ذبيحتنا لبقاء تحريمه) عليهم نصا لثبوت تحريمه عليهم بنص كتابنا. فإطعامهم منه حمل لهم على المعصية، كإطعام مسلم ما يحرم عليه. (وتحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها) لقوله تعالى {وطعامكم حل لهم} [المائدة 5].”[36]
ولا يجوز عند الحنابلة بيع دار لهم يبيعون فيها الخمر أو يتخذونها كنيسة أو يؤاجرها ممن يتخذها بيت نار أو كنيسة أو يبيع فيها الخمر، فإن لم يكن شيء من ذلك، فهل يجوز بيع الدار مع علمه بما يفعلونه بها من معاص؟ قولان، والصحيح الجواز مع الكراهة. قال في الفروع: “قوله: وإن باع أو آجر مسلم داره من كافر، فنقل المروذي: لا تباع، يضرب فيها بالناقوس وينصب فيها الصلبان! واستعظم ذلك وشدد فيه … وقال أبو بكر عبد العزيز: لا فرق بين البيع والإجارة، وإذا منع البيع منع الإجارة … قال ابن أبي موسى: كره أحمد أن يبيع داره من ذمي يكفر فيها ويستبيح المحظورات، فإن فعل لم يبطل البيع، وكذا قال الآمدي وأطلق الكراهة مقتصرا عليها، ومقتضى ما سبق من كلام الخلال وصاحبه تحريم ذلك، قاله شيخنا [ابن تيمية]. وقال القاضي: لا يجوز أن يؤاجر داره أو بيته ممن يتخذه بيت نار أو كنيسة أو يبيع فيه الخمر. قال شيخنا: فقد حرم القاضي إجارتها لمن يعلم أنه يبيع فيها الخمر، مستشهدا على ذلك بنص أحمد، وذلك يقتضي أن المنع عنده في هاتين الصورتين منع تحريم. وظاهر كلام من لم يخص هذه المسألة بالذكر كالشيخ وغيره الجواز، انتهى، قلت: هذا هو الصواب مع الكراهة.”[37]
ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر في المذهب، وإن كانت هناك رواية بالصحة وكراهة أكل الأجرة، ففي المبدع في شرح المقنع: “ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر، وعنه: يصح، ويكره أكل أجرته.”[38]
وفي مشاركة الذمي، جاء في مسائل أحمد وإسحاق بن راهويه: “قلت: يشارك المسلم اليهودي والنصراني؟ قال: إذا كان هو يلي البيع والشراء.”[39] وذلك كما ذكر في غير هذا الموضع حتى لا يرابي الذمي أو يبايع بيعا محرما.
ويتضح من ذلك أن المذهب هو خطابهم بفروع الشريعة وعدم جواز إعانتهم على شيء من المحرمات أو إجارة النفس لهم في عمل محرم أو بيع محرم لهم أو ما يتوصل به إليه، أو إجارة ما يعينهم عليه، وإن كان الخلاف قد وقع في أكثر هذه المسائل كما بينا.
الفريق الثاني: لا، الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة
والقائلون بهذا هم جمهور الحنفية، وقد وقع كما بينا الخلاف في جميع المذاهب، وقال بهذا القول بعض المالكية والحنابلة، بل والشافعية.
ولتوضيح قول الحنفية، ينبغي البدء ببيان أن الجميع بلا شك متفقون على أنهم مخاطبون بالإيمان، وإنما وقع الخلاف في فروع الشرائع، وقد استثنوا من ذلك أمورًا وافقوا الجمهور في مخاطبتهم بها، وهي:
- “أنهم مخاطبون بالمشروع من العقوبات ولهذا تقام على أهل الذمة عند تقرر أسبابها”[40]
- و “الخطاب بالمعاملات يتناولهم أيضا لأن المطلوب بها معنى دنيوي … فعقد الذمة يقصد به التزام أحكام المسلمين فيما يرجع إلى المعاملات”[41]
- و “في حكم المؤاخذة في الآخرة لأن موجب الأمر اعتقاد اللزوم والأداء وهم ينكرون اللزوم اعتقادا وذلك كفر منهم بمنزلة إنكار التوحيد.”[42]
ولكنها مؤاخذة على عدم الإقرار لا عدم الأداء، وفي أصول السرخسي:
“وهو المراد بقوله تعالى {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} أي لا يقرون بها.”[43]
فيتبين من ذلك أن الكفار عند جمهور الحنفية غير مخاطبين بالأداء فيما يتعلق بالأوامر والنواهي المختصة بهم.
وأهم أدلتهم:
- أنها لا تجزئهم ولا تصح منهم، فلو كانوا مخاطبين بها لأجزأهم فعلها، ومن المعلوم أن الكافر إذا صلى لا تصح صلاته، وإذا صام لا يصح صومه، وإذا زكى لا تقبل منه زكاته. قال الله تعالى: “وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا” [الفرقان:٢٣] وقال “وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ” [الزمر:٦٥] وقد سبق جواب الجمهور على هذا الاستدلال.
- أن النبي r لما بعث معاذا إلى اليمن قال “فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ…” قال السرخسي: “ففي هذا تنصيص على أن وجوب أداء الشرائع يترتب على الإجابة إلى ما دعوا إليه من أصل الدين.”[44]
- وقال: “والدليل على ذلك من طريق المعنى أن الأمر بأداء العبادة لينال به المؤدي الثواب في الآخرة حكما من الله تعالى (كما وعده في محكم تنزيله، والكافر ليس بأهل لثواب العبادة عقوبة له على كفره حكما من الله تعالى) … وإذا تحقق انعدام الأهلية للكافر فيما هو المطلوب بالأداء يظهر به انعدام الأهلية للأداء وبدون الأهلية لا يثبت وجوب الأداء وبه فارق الخطاب بالإيمان فإنه بالأداء يصير أهلا لما وعد الله المؤمنين.”[45]
- وأجابوا على اعتراض الجمهور بأن عدم المخاطبة تخفيف ولا يكون الكفر سببًا له، فقالوا: “والقول بأن الكافر ليس بأهل للسعي في فكاك نفسه، ما لم يؤمن، لا يكون تخفيفا عليه. وهو نظير أداء بدل الكتابة لما كان ليتوصل به المكاتب إلى فكاك نفسه. فإسقاط المولى هذه المطالبة عنه عند عجزه بالرد في الرق لا يكون تخفيفا عليه، فإن ما بقي فيه من ذل الرق فوق ضرر المطالبة بالأداء … [و] مطالبة الطبيب المريض بشرب الدواء، إذا كان يرجو له الشفاء، يكون نظرا من الطبيب لا إضرارا به. فإذا أيس من شفائه، فترك مطالبته بشرب الدواء، لا يكون ذلك تخفيفا عليه، بل إجبارا له بما هو أشد عليه من ضرر شرب الدواء، وهو ما يذوق من كأس الحمام. فكذلك هنا أن الكفار لا يخاطبون بأداء الشرائع لا يتضمن معنى التخفيف عليهم، بل يكون فيه بيان عظم الوزر والعقوبة فيما هو مصر عليه من الشرك والله أعلم.” [46]
- وذكر السرخسي استدلال البعض بكون المسألة فرعا لأصل مختلف عليه بين الأحناف والجمهور، وهو “أن الشرائع عندهم [الشافعية والجمهور] من نفس الإيمان وهم مخاطبون بالإيمان، فيخاطبون بالشرائع، وعندنا [الحنفية] الشرائع ليست من نفس الإيمان وهم مخاطبون بالإيمان، فلا يخاطبون بالأداء بالشرائع التي تبتنى على الإيمان ما لم يؤمنوا.” ولكنه أجاب على هذا فقال: “وهذا ضعيف أيضا فإنهم مخاطبون بالعقوبات والمعاملات وليس شيء من ذلك من نفس الإيمان أيضا.”[47]
- وأجابوا على أدلة الجمهور من القرآن والسنة بصرفها إلى ذمهم على إنكار وجحود هذه الأوامر والنواهي. وفي تفسير الإمام الماتريدي لقوله تعالى (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة): “والإشكال: أنه لماذا خص المشرك الذي لم يؤت الزكاة، وينكر الآخرة بالويل، وقد يلحق الويل للمشرك آتى الزكاة أو لم يؤت، آمن بالآخرة أو كفر بها؟ فنقول: قال بعض أهل التأويل: معناه: وويل للمشركين الذين لا يؤمنون بإيتاء الزكاة، ولا يؤمنون بالآخرة، وخصهم بذكر جحود الزكاة والآخرة؛ لما كان سبب كفرهم مختلفا: منهم من كان سبب كفره بخله في المال وشحه، حمله ذلك على إنكار الزكاة والامتناع عن الإيتاء، ومنهم من كان كفره إنكاره جزاء الأعمال، حمله ذلك على إنكار الآخرة، ومنهم من كان سبب كفره الخضوع لمن دونه أو مثله في أمر الدنيا، حمله ذلك على إنكار الرسالة والجحود لها، وغير ذلك من الأسباب التي حملتهم على الكفر والضلالة وهي مختلفة. ويحتمل قوله: (وويل للمشركين. الذين لا يؤتون الزكاة) هو لا على زكاة الأموال، ولكن على زكاة الأنفس؛ كأنه يقول: وويل للمشركين الذين لا يعلمون ولا يسمعون فيما به تزكو أنفسهم ويشرف ذكرها ويصلح أعمالهم به ولا ما يجزون به في الآخرة، أي: ويل لمن لا يعمل ذلك، والله أعلم. وهذان الوجهان جواب عمن تعلق بظاهر هذه الآية على أن الكفار يخاطبون بالشرائع؛ حيث ألحق الوعيد بهم بترك إيتاء الزكاة، والزكاة من الشرائع، والله أعلم.”[48]
لكن الخلاف بين الحنفية والجمهور هنا لم يقتصر على الأصول، بل تعدى إلى الفروع، فإن كنت مستحضرًا لتفريعات الجمهور على القاعدة، فإليك جملا من تفريعات الحنفية.
يقول الإمام الكاساني الحنفي – رحمه الله – في البدائع: “ولو غصب خمرا أو خنزيرا لذمي فهلك في يده يضمن سواء كان الغاصب ذميا أو مسلما غير أن الغاصب إن كان ذميا فعليه في الخمر مثلها، وفي الخنزير قيمته وإن كان مسلما فعليه القيمة فيهما جميعا.”[49]
وتجدهم يجيزون إجارة البيوت لتتخذ في مثل أحوالنا هذه كنائس وحوانيت لبيع الخمر. في حاشية ابن عابدين: “(و) جاز (إجارة بيت بسواد الكوفة) أي قراها (لا بغيرها على الأصح) وأما الأمصار وقرى غير الكوفة فلا يمكنون لظهور شعار الإسلام فيها وخص سواد الكوفة، لأن غالب أهلها أهل الذمة (ليتخذ بيت نار أو كنيسة أو بيعة أو يباع فيه الخمر) وقالا [أي الصاحبان] لا ينبغي ذلك لأنه إعانة على المعصية.” [50]
وتجدهم يجيزون حمل الخمر لذمي ورعي الخنازير وتعمير كنائسهم. في حاشية ابن عابدين: “(و) جاز تعمير كنيسة و (حمل خمر ذمي) بنفسه أو دابته (بأجر)”[51] وفيه: “وعلى هذا الخلاف لو آجره لينقل عليها الخمر أو آجره نفسه ليرعى له الخنازير يطيب له الأجر عنده [أبو حنيفة] وعندهما [الصاحبان] يكره.” [52]
ويوضحون المسألة في الهداية ويجيبون على الاعتراضات بقولهم: “ومن حمل لذمي خمرا فإنه يطيب له الأجر عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: يكره له ذلك”؛ لأنه إعانة على المعصية، وقد صح أن النبي r لعن في الخمر عشرا حاملها والمحمول إليه. وله [أي يستدل لأبي حنيفة] أن المعصية في شربها وهو فعل فاعل مختار، وليس الشرب من ضرورات الحمل ولا يقصد به، والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد المعصية.”[53]
والأحناف، كالشافعية ينكرون سد الذرائع في الأصول، ولا يتوسعون فيها في الفروع، ولذلك لا يحرم عندهم بيع العنب لمن يتخذه خمرًا، ولكنهم يفرقون كذلك بين بيعه لمسلم وبيعه لكافر، ففي حاشية ابن عابدين: “(و) جاز (بيع عصير) عنب (ممن) يعلم أنه (يتخذه خمرا) لأن المعصية لا تقوم بعينه، بل بعد تغيره، وقيل يكره لإعانته على المعصية، ونقل المصنف عن السراج والمشكلات أن قوله ممن أي من كافر أما بيعه من المسلم فيكره، ومثله في الجوهرة والباقاني وغيرهما زاد القهستاني، معزيا للخانية، أنه يكره بالاتفاق.” [54]
لكن الأحناف يستثنون ما تقوم المعصية بعينه، ففي الحاشية: “(بخلاف بيع أمرد ممن يلوط به وبيع سلاح من أهل الفتنة) لأن المعصية تقوم بعينه ثم الكراهة في مسألة الأمرد مصرح بها في بيوع الخانية وغيرها واعتمده المصنف على خلاف ما في الزيلعي والعيني وإن أقره المصنف في باب البغاة. قلت: وقدمنا ثمة، معزيا للنهر، أن ما قامت المعصية بعينه يكره بيعه تحريما وإلا فتنزيها.”[55]
وهذا استثناء حسن وضابط للإعانة على الإثم والعدوان عند الحنفية، فهم لا يتوسعون في سد الذرائع، فكل ما كان بين فعل المرء ووقوع المعصية فعل فاعل مختار لا يحرم عندهم إلا أن تقوم المعصية بنفس المبيع أو يكون الفعل الأول إعانة على ما فيه ضرر للغير كبيع أمرد ممن يلوط به وبيع سلاح من أهل الفتنة.
الحقيقة إذًا أن تفريعات الحنفية منشؤها من أصلين عندهم:
- القول بعدم مخاطبة الكفار بفروع الشريعة
- عدم العمل بسد الذرائع، وإن كان الأصوب القول بتضييقهم لنطاق عمل القاعدة التي يقررها المالكية والحنابلة
الفريق الثالث: نعم، الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، لكنه خطاب معاقبة في الآخرة لا خطاب مطالبة في الدنيا
والقائل بهذا الإمام ابن تيمية، وتبعه جماعة. وقد بينا من قبل أن هذا القول لا يختلف كثيرًا عن سائر القائلين بخطابهم، فهؤلاء لا يجبرون الكفار على العبادات، ولكن هذا الفريق يؤكدون على هذا المعنى فيتوسطون بين الفريقين ويجوزون للمسلم بعض ما يجوزه القائلون بعدم خطابهم ويمنعون بعضه.
وأدلتهم على خطابهم هي أدلة الجمهور، وأدلتهم على ما يذهبون إليه من جواز أمور من المعاملة معهم مما لا يجوز مع المسلمين كثيرة، منها:
في الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ r مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ [اسم البائع] مَا قُلْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا “
فإن قيل إهداؤه إياها لا يعني لبسه لها، لكان هذا في غاية الضعف، قال العراقي في “طرح التثريب”: “.. قد يقال: إهداء الحرير للمسلم لا يلزم منه لبسه له ؛ لما عنده من الوازع الشرعي، بخلاف الكافر فإن كفره يحمله على لبسه فليس عنده من اعتقاد تحريمه ما يكفه عن ذلك؛ فلولا إباحة لبسه له لما أُعين على تلك المعصية بإهدائه له.”[56]
وقد علم أن الكفار كانوا يدخلون مسجده، والجنب لا يجوز له ذلك، ولكنهم لم يمنعوا.
ويستدل لهذا القول، وإلم يستدل به الإمام أبو العباس، بأنه لم ينقل إلينا أن الأزواج والأسياد كانوا يمنعون نساءهم وعبيدهم الطعام في نهار رمضان.
وفي الأموال لأبي عبيد: عن سويد بن غفلة، أن بلالا قال لعمر بن الخطاب: “إن عمالك يأخذون الخمر والخنازير في الخراج” فقال: “لا تأخذوا منهم، ولكن ولوهم بيعها، وخذوا أنتم من الثمن.”[57] ولو كانوا مسلمين، لما جاز أخذ الزكاة وغيرها من مال حرام.
وكثير من القائلين بالمخاطبة يفرقون في الأحكام.
- يقول الخطيب الشربيني: “(و) لا استئجار مسلمة (حائض) أو نفساء أو مستحاضة إجارة عين (لخدمة مسجد)، وإن أمنت التلويث، وجوزنا العبور لاقتضاء الخدمة المكث أو التردد، وهي ممنوعة منه. أما الكافرة، إذا أمنت التلويث، فالأشبه الصحة كما قاله الأذرعي بناء على الأصح من تمكين الكافر الجنب من المكث بالمسجد؛ لأنها لا تعتقد حرمته.”[58]
- ويقول ابن رشد الجد: “وبيع العنب ممن يعصره خمرا من المسلمين أشد من بيعه من النصارى، إذ قد قيل في النصراني إنه غير مخاطب بشرائع الإسلام إلا بعد الإسلام، فلا يكون على هذا القول المسلم إذا باع عنبه من نصراني معينا على إثم.”[59]
- وفي الشرح الكبير، يقول الإمام ابن أبي عمر – رحمه الله: “(ولا يجوز بيع الأدهان النجسة)… قال شيخنا [الموفق] ويجوز أن يدفع إلى الكافر في فكاك مسلم ويعلم الكافر بنجاسته لأنه ليس ببيع في الحقيقة إنما هو استنقاذ المسلم به.”[60]
- وقد نص أحمد في رواية أبي النضر، فيمن حمل خمرا، أو خنزيرا، أو ميتة لنصراني: “أكره أكل كرائه، ولكن يقضى للحمال بالكراء. وإذا كان لمسلم، فهو أشد كراهة.”[61]
من أجل ذلك يقرر الإمام ابن تيمية جواز بعض المعاملات معهم ولا يقصرها على ثوب الحرير للنص، بل يقيس عليه: “وقال الشيخ تقي الدين: يجوز بيع حرير لكافر ولبسه له؛ لأن عمر بعث بما أعطاه النبي r إلى أخ له مشرك رواه أحمد والبخاري ومسلم. قال شيخنا [تقي الدين]: وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة للكفار، وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعتها لبيعها منهم، وعملها لهم بالأجرة.”[62]
لكنه يمنع من بيع الخمر، بل وبيع العنب لمن يتخذه خمرا منهم، فيقول: “حتى أنه قد نص (يعني الإمام أحمد) أيضا على أنه لا يجوز بيع العنب والعصير والدادي ونحو ذلك ممن يستعين على النبيذ المحرم المختلف فيه، فإن الرجل لا يجوز له أن يعين أحدا على معصية الله، وإن كان المعان لا يعتقدها معصية، كإعانة الكافرين على الخمر.”[63]
بل تجده يشدد فيما قصد به الحرام، يقول ابن مفلح: “ولا يصح بيع ما قصد به الحرام، كعصير لمتخذه خمرا، قطعا، نقل الجماعة: إذا علم، وقيل: أو ظنا، واختاره شيخنا.”[64]
وتجده يبين وجه الجواز عنده أحيانًا ووجه المنع، فيقول: “بيع الحرير للكفار حديث عمر t يقتضي جوازه؛ بخلاف بيع الخمر؛ فإن الحرير ليس حرامًا على الإطلاق، وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة لهم؛ وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعتها لبيعها منهم، وجاز عملها لهم بالأجرة.”[65]
إذًا فالعبرة عنده أن المحرم لذاته كالخمر لا يجوز بيعه له ولا حمله ولا بيع أصل مادته، وإن كانت حلالًا، سدًا للذريعة وقطعًا للمعصية، ولكنه يرخص في مثل ثوب الحرير والذهب للرجال، ومثله ما كان تحريمه لغيره.
الترجيح
الذي يظهر لي هو القول الوسط الذي يمنع من مباشرة المسلم للمحرم، وهذا محل اتفاق، وكذلك تمنع إعانتهم على المحرم لذاته المتفق على تحريمه، إن كانت إعانة مقصودة أو مباشرة. أما ما اختلف فيه وما لا يكون حرامًا بإطلاق والمحرم لغيره، فلا يمنع كل ما أدى إليه من جهة المسلم، وكذلك إن لم تكن الإعانة مقصودة أو مباشرة، فإن التوسع في سد الذرائع يسبب حرجًا بالغًا وعنتًا للمسلمين في ديار الإسلام، فما بالك بغيرها.
وقد كان ضابط الإعانة على الإثم والعدوان محل بحث طويل ومناقشات بين أعضاء ” مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا ” في دورته الخامسة التي انعقدت بالبحرين سنة 1428هـ، وكان خلاصة ما توصلوا إليه أن الإعانة على الإثم والعدوان أربعة أقسام:
1- مباشرة مقصودة كمن أعطى آخر خمرا بنية إعانته على شربها
2-مباشرة غير مقصودة ومنه بيع المحرمات التي ليس لها استعمال مباح إذا لم ينو إعانتهم على استعمالها المحرم
3-مقصودة غير مباشرة كمن اعطى آخر درهما ليشتري به خمرا ومنه القتل بالتسبب
4- غير مباشرة ولا مقصودة كمن باع ما يستعمل في الحلال والحرام ولم ينو إعانة مستعمليه في الحرام ، وكمن أعطى آخر درهما لا ليشتري به خمرا. فإن اشترى به خمرا وشربه، فلا إثم على من أعطاه الدرهم، طالما لم ينو به إعانته على المحرم
ومن هذا القسم الرابع البيع والشراء والإجارة من المشركين وفساق المسلمين والتصدق عليهم بالمال
وقد كان قرار المجمع تحريم الأنواع الثلاثة الأولى وإباحة القسم الرابع وهو ما ليس مباشرا ولا مقصودا.
المطلب الثالث: هل للدار أثر؟
هل الأحكام تختلف باختلاف الدار؟ هذه مسألة عظيمة، ونحن نحتاج إلى التعرض لها هنا، وإن كنا عاجزين عن استيفاء بحثها. لكن، نقول إن بعض أحكام الإسلام لا تجري خارج ديار الإسلام اتفاقًا للعجز عن إقامتها، ولأن سلطان القضاء الإسلامي لا يمتد إليها. لكن، هل تختلف بعض أحكام المعاملات في حق آحاد المسلمين؟ هذه من مسائل الخلاف، والجمهور على عدم اختلافها، وقال الحنفية تختلف أحيانًا، فجوزوا العقود الفاسدة فيها.
وأهم أدلة الحنفية:
- مرسل مكحول عن رسول الله r أنه قال: ”لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ.” هكذا جاء في مبسوط السرخسي،[66] وفي الأم: “لَا رِبَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ.”[67] يقول ابن المنذر: ”واختلفوا في بيع الدرهم بالدرهمين من أهل الحرب، فقالت طائفة: لا يجوز ذلك، هذا قول الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق بن راهويه، ويعقوب، وقال يعقوب: وإنما أحل أبو حنيفة هذا؛ لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول، عن رسول الله r أنه قال: “لَا رِبَا بَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ.” وكره أحمد بن حنبل ذلك. قال أبو بكر: وكما قال الأوزاعي، والشافعي أقول؛ لأن النبي r وضع ربا الجاهلية، ونهى عن الربا نهيا عاما.” [68] وقال ابن قدامة في المغني: “وخبرهم مرسل لا تعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك.”[69]
- واستدلوا بقصة مراهنة أبي بكر للمشركين. في المبسوط: “قال محمد: وبلغنا أن أبا بكر الصديق t قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى {الم غلبت الروم} [الروم:1- 2] قال له مشركو قريش: … هل لك أن تخاطرنا على أن نضع بيننا وبينك خطرا، فإن غلبت الروم أخذت خطرنا، وإن غلبت فارس أخذنا خطرك فخاطرهم أبو بكر t على ذلك، ثم أتى النبي r وأخبره فقال: “اذْهَبْ إلَيْهِمْ فَزِدْ فِي الْخَطَرِ، وأبْعِد في الأجَلِ،” ففعل أبو بكر t وظهرت الروم على فارس، فبعث إلى أبي بكر أن تعال فخذ خطرك، فذهب، وأخذه فأتى النبي r به فأمره بأكله، وهذا القمار لا يحل بين أهل الإسلام، وقد أجازه رسول الله r بين أبي بكر t، وهو مسلم، وبين مشركي قريش؛ لأنه كان بمكة في دار الشرك، حيث لا يجري أحكام المسلمين.”[70]
- واستدلوا بأن “رَسُولَ اللَّهِ r صَارَعَ رُكَانَةَ عَلَى شِيَاهٍ”، وقد روى أصل هذه القصة أبو داود والترمذي من حديث أبي الحسن العسقلاني، وليس فيها ذكر الشياه، قال الترمذي: غريب، وليس إسناده بالقائم. وذكرت قصة الشياه في مراسيل أبي داود وغيره عن سعيد بن جبير وعند غيره عن ابن عباس وأبي أمامة. وضعف أسانيد هذه الروايات الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير، فليراجع.[71]
وللمعارض أن يقول إن ما ذكر من محرمات أبيحت في مكة في القصتين السابقتين مما وقع الخلاف في تحريمه، والقول بحلها (سيما السبق في حديث ركانة) هو قول جماعة من أهل العلم، ومع التسليم بالتحريم، فالجزم بسبقه عليهما مما يتعذر.
واستدلوا بما ذكر عن ابن عباس t وغيره أن رسول الله r قال في خطبته: “كُلُّ رِبًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ”، قالوا: “وهذا؛ لأن العباس t بعد ما أسلم رجع إلى مكة، وكان يربي، وكان لا يخفى فعله عن رسول الله r فلما لم ينهه عنه دل أن ذلك جائز، وإنما جعل الموضوع من ذلك ما لم يقبض حتى جاء الفتح، وبه نقول، وفيه نزل قوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا}.”[72]
وفي استدلالهم نظر لأن العباس t كان له ربا قبل إسلامه، فيحتمل أن يكون هذا هو الموضوع، وإن كان احتمالًا ضعيفًا، لكنه قد يصلح ليسقط الاستدلال.
وفي الجواب على أدلتهم يقول ابن قدامة: “ولنا، قول الله تعالى: “{وحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] … وقوله “مَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى” عام، وكذلك سائر الأحاديث. ولأن ما كان محرما في دار الإسلام كان محرما في دار الحرب، كالربا بين المسلمين، وخبرهم مرسل لا نعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك، ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن، وتظاهرت به السنة، وانعقد الإجماع على تحريمه، بخبر مجهول، لم يرد في صحيح، ولا مسند، ولا كتاب موثوق به، وهو مع ذلك مرسل محتمل. ويحتمل أن المراد بقوله “لا ربا” النهي عن الربا، كقوله: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] ، وما ذكروه من الإباحة منتقض بالحربي إذا دخل دار الإسلام، فإن ماله مباح، إلا فيما حظره الأمان.”[73]
ويجاب عليهم من قبل البعض بقول الله عن استحلال بعض اليهود للربا مع غير اليهودي: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 75] وقد يجاب عن السادة الأحناف بأنهم منعوا الربا مع الذمي، وإنما أجازوه مع الحربي لكونه من أهل الحرب، لا لاختلاف دينه. وقد يجاب عن هذا الجواب بكون المسلم مستأمنًا عندهم، فعصمت بذلك أموالهم، وجواب الحنفية على ذلك بأن هذه العصمة تمنعه من أخذها غصبًا أو غدرًا، فإن أخذها بطيب نفس منهم، فلا محذور.
ولا شك أن هذا الأصل الذي اعتمده الحنفية قد فرعوا عليه كثيرًا، في المبسوط: “وإذا دخل المسلم دار الحرب بأمان … وإن بايعهم المستأمن إليهم الدرهم بالدرهمين نقدا أو نسيئة أو بايعهم في الخمر، والخنزير، والميتة فلا بأس بذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، ولا يجوز شيء من ذلك في قول أبي يوسف رحمه الله؛ لأن المسلم ملتزم أحكام الإسلام حيثما يكون، ومن حكم – الإسلام حرمة هذا النوع من المعاملة، ألا ترى أنه لو فعله مع المستأمنين منهم في دارنا لم يجز فكذلك في دار الحرب، وهما يقولان هذا أخذ مال الكافر بطيبة نفسه، ومعنى هذا أن أموالهم على أصل الإباحة إلا أنه ضمن أن لا يخونهم فهو يسترضيهم بهذه الأسباب للتحرز عن الغدر ثم يأخذ أموالهم بأصل الإباحة لا باعتبار العقد، وبه فارق المستأمنين في دارنا؛ لأن أموالهم صارت معصومة بعقد الأمان فلا يمكنه أخذها بحكم الإباحة، والأخذ بهذه العقود الباطلة حرام.”[74]
ولا شك عندي من بنائهم لهذه الأحكام، أنها، إن صحت في دار الحرب في زمانهم الذي ساغت فيه القسمة الثنائية، وهي لا تصح عندي لتمسكي بقول الجمهور، فلا تصح في أحوالنا هذه، فإن البلاد الموقعة على ميثاق الأمم المتحدة لا بد أن يكون لها تكييف آخر، وإن المسلمين في هذه البلاد قد استوطنوها، ولهم من الحقوق فيها ما لسائر مواطنيها، وقد دخلوا في عقدها الاجتماعي، فمن يقرأ عبارة الإمام السرخسي السابقة، سيعسر عليه سحبها على أحوالنا. وأنقل هنا عن الشيخ صلاح الصاوي كلامًا بليغًا في التحذير من مآلات هذا المنحى. يقول – حفظه الله تعالى – في مقال له بعنوان هل تجوزُ العقود الفاسدة في المجتمع غير المسلم:
“ومن ذلك أيضًا ما يتضمنه مذهبهم من جواز تعامل المسلمين الجدد في هذه البلاد بالربا أخذًا وإعطاءً ما داموا لم يهاجروا، سواء أكان ذلك مع نظرائهم من المسلمين الجدد أم مع بقية الحربيين؛ وذلك لارتباط العصمة عندهم بالدار ابتداء، وقد أشار إلى ذلك ابن عابدين في الحاشية في قوله: “يعلم مما ذكره المصنف مع تعليله، أن من أسلما ثمة ولم يهاجرا لا يتحقق الربا بينهما أيضًا.” ولا يخفى أن الهجرة لا سبيل إليها في هذه الأيام في الأعم الأغلب، فيتدينون طيلة حياتهم بدين لا أثر فيه لحرمة الربا.
… كيف يتأتى القيام بواجب البلاغ في هذه المجتمعات مع تبني هذا المذهب؟ لا يخفى أن للمسلم المغترب خارج ديار الإسلام رسالة سامية تتمثل في حفظ الإسلام على أهله ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وحِفظُ الإسلام على أهله يقتضي دعوتهم إلى الاستقامة على هدي الكتاب والسنة، واجتناب ما خالفهما من أهواء البشر … كما أن دعوة غير المسلمين إلى الإسلام تكون بلسان الحال كما تكون بلسان المقال … فكيف يتأتى دعوة غير المسلمين إلى الإسلام أو حتى تعريفهم به في ظل جالية يتملَّك المسلمون فيها محلات لبيع الخمور والخنزير ويسهمون في إشاعتها في هذه المجتمعات، ثم يقولون للناس: إننا أتباع دين يُحِلُّ لأتباعه الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث … أيًّا كانت المرتكزات الفقهية لهذا الترخُّص، وأيًّا كان حظ القائمين عليه من النظر؟
إن حديث فقهائنا من السادة الأحناف أو من غيرهم عن دار الحرب وعن جواز التعامل فيها بالعقود الفاسدة يجب أن يُؤخَذ في سياقاته الاجتماعية والسياسية والتاريخية، فلم يكن أهلُ الإسلام فيما مضى يتوطنون دار الحرب بصورة دائمة، وينشئون فيها مراكزهم ومؤسساتهم الإسلامية … وفي إطار هذه النظرة تغيَّر موقف فقهائنا من قضية التجنُّس، فلم تعد تحمل ما كانت تحمله من دلالات أدت ببعض أهل الفتوى إلى القول برِدَّة المتجنس عن الإسلام في وقت من الأوقات !
… إن فتح هذا الباب سيفتح بابًا واسعًا عريضًا إلى خلع الرِّبقة والتفلُّت من التكاليف … وقد يتدرج الناسُ من استباحة العقود الفاسدة في باب الأموال إلى استباحتها في باب الأبضاع! … وإذا أبيح الأمر أبيحت الوسائل المفضية إليه، فإذا جاز بيع الخمر ولحم الخنزير جاز السعي إلى تملُّكها لبيعها، فلا حرج على المسلم أن يتملك مزرعة لتربية الخنزير أو مصنعًا لإنتاج الخمور … ومن ثَمَّ فلا أحسب عالمًا منصفًا يقر مثل هذا المسلك الفقهي في ظل كل هذه المتغيرات في واقعنا المعاصر مهما كان حظ هذا المذهب من النظر!”
الخلاصة هو أن مسألة الدار مسألة عظيمة، ولكبار العلماء المعاصرين بحوث مطولة فيها، وسواء تمسكت بالتقسيم الثنائي أو قبلت غيره، فلا شك أن الواقع قد اختلف، ومن الجناية على العلم والدين النقل من الكتب من غير اعتبار لتغير الأحوال، وما يصاحبها من تغير في تحقيق المناطات.
فإن استقر الأمر على أن الدار لا تجعل الحرام حلالًا، فهل هناك أي أثر للدار؟ نعم، فكما قدمنا، فإنها لا يمتد إليها سلطان القضاء الإسلامي، ويقر غير المسلم فيها على ما لا يقر عليه في دار الإسلام، وفي نهاية المطلب: “ولو وقع الشرط على أن تكون رقاب الأبنية في البلدة وعرصاتها لهم، فلا يمنعون من ضرب النواقيس، وإظهار الخمور والخنازير في مثل هذه البلدة؛ فإنها بحكمهم، ولو كان يخالطهم المسلمون، لم يكن لهم أن يعترضوا عليهم، والبلدة في الجملة والتفصيل بمثابة دار الذمي في بلاد الإسلام، ولا يخفى أنه لا يجب البحث -بل لا يجوز- عما يتعاطَوْن في دورهم … وقد فُتحت قرى الشام صلحاً على أن تكون لأهلها، فكانوا يظهرون النواقيس في زمن معاوية وجرت له قصة مشهورة.”[75]
ومن ثم فقد فرق الحنفية بين بيع دار لتكون كنيسة في سواد الكوفة وفي غيرها، للفرق بين البلاد التي ظهر فيها شعار الإسلام وغيرها، فما كان لآحاد المسلمين أن يخرجوا على مقتضى العقود التي أمضاها ولاة أمورهم.
وهناك فروق في تحقيق المناطات في واقع مغاير جدًا لواقع ديار الإسلام. يقول ابن الملقن: “وكره العلماء أن يؤاجر الرجل المسلم نفسه من مشرك في دار الحرب أو دار الإسلام، وقد أسلفت أنه حرام؛ لأن في ذلك ذلة وصغار إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة، فلا نحرمه، فيما لا يعود على المسلم بضر ولا فيما لا يحل مثل عصير خمر ورعي خنزير، أو عمل سلاح أو شبه ذلك. وأما في دار الإسلام فقد أغنى الله بالمسلمين وبخدمتهم عن الاضطرار إلى خدمة المشركين.”[76]
قال ابن القيم: “فَصْلٌ في تغير الفتوى واختلافها بحسَب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.” [77]
لا شك إذًا أن تغير المكان وما يتبعه من تغير الأحوال والعوائد لا بد أن يؤثر على الفتوى، كما استقرت عليه كلمة المحققين من العلماء، وما إسقاط الحدود في دار الحرب إلا من هذا الباب، ومنه ما ذكره الإمام ابن تيمية من عدم مخالفة الكفار في الهدي الظاهر في دارهم، قال – رحمه الله -: “ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية.”[78] ويبقى تقدير الضرر والمنفعة متروكًا للمجتهدين في تحقيق المناطات.
المطلب الرابع: هل للحاجة وعموم البلوى وعسر الاحتراز أثر؟
لا مجال هنا لمناقشة حجية هذه القواعد ونطاق عملها. أما الحجية، فلا نزاع فيها عمليًا، ولكن النزاع في نطاق عملها. والذي نريد إثباته هنا هو أن لهذه القواعد عملًا في موضوعنا، فإن الدار، وإن لم يكن لها أثر في تحريم المحرمات على القول المختار، فإنها محل لواقع تسود فيه قوانين غير قوانين الإسلام، ويحتاج فيه المسلمون أن يكون لهم حضور في الصناعات المختلفة، وبعضها أكثر تعرضًا للحرام من بعض، والتطبيب والعمل في المجال الصحي عمومًا من تلك الصناعات التي يلجأ إليها المسلمون لأنها، في ظنهم، مساحة آمنة.
ماذا لو كانت أو صارت هناك ممارسات محرمة تفرض على الأطباء؟ هل يعتزلون التطبيب؟ قد يكون هذا حسنًا أحيانًا من آحاد الناس الذين يريدون السير على طريق بشر الحافي – رضي الله عنه – ولكن هل يمكن هذا للعامة؟ وإلى أي المهن يفرون؟ وما هي المهن التي تخلو من شبهات أو ممنوعات؟ يقول الإمام الجويني – رحمه الله: “ولو صابر الناس حاجاتهم، وتعدوها إلى الضرورة، لهلك الناس قاطبة، ففي تعدي الكافة الحاجة من خوف الهلاك، ما في تعدي الضرورة في حق الآحاد، فافهموا، ترشدوا.”[79] وهو يقدر أن ضبط الحاجة متعسر، فيقول: ” وليس من الممكن أن نأتي بعبارة عن الحاجة نضبطها ضبط التخصيص.” [80]
ويقول الشاطبي: “وأما الحاجيات، فمعناها أنها مفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين – على الجملة – الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة.”[81]
أما قول الإمامين السيوطي وابن نجيم: ” الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة،” ففيه تفصيل، ولا وجه للمساواة بين الحاجة الخاصة والضرورة الخاصة، إلا أن يكون المقصود بالضرورة الخاصة أنها لا تعم جميع الأمة. قال الإمام الشافعي: “ومن احتاج إلى قسم شيء لم يحلل له بالحاجة ما لا يحل له في أصله وليس يحل بالحاجة محرم إلا في الضرورات من خوف تلف النفس.”[82]
والتوسع في هذا الباب من غير ضابط مزلة أقدام لكثير من المعاصرين، وكأن الطوفي – رحمه الله – يخاطبنا بقوله: “لا يجوز للمجتهد أنه كلما لاح له مصلحة تحسينية أو حاجية اعتبرها، ورتب عليها الأحكام حتى يجد لاعتبارها شاهدا من جنسها.”[83]
ويبين الشيخ الزرقا – رحمه الله – معنى الحاجة فيقول: “والحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيرا أو تسهيلا لأجل الحصول على المقصود، فهي دون الضرورة من هذه الجهة، وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمرا، والثابت للضرورة موقتا كما تقدم.”[84]
إذا هو يثبت الحكم بها مستمرًا، ولكن هل ترفع، كالضرورة، كل محظور؟ في هذه المسألة خلاف طويل، وظاهر كلام السيوطي وابن نجيم أنها كذلك، ولكن لا يقول به أحد، وإن اختلفوا في نطاق تأثيرها. وقد حاول ضبطها كثير من أهل العلم، ومنهم الشيخ الزرقا – رحمه الله – فخصها بالأحوال الآتية:
- “يضاف تجويز الحكم إلى الحاجة فيما يظهر إذا كان تجويزه مخالفا للقياس
- ما يجوز للحاجة إنما يجوز فيما ورد فيه نص يجوزه، أو تعامل، أو لم يرد فيه شيء منهما، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه، وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به
- أو كان لم يرد فيه نص يجوزه أو تعامل، ولم يرد فيه نص يمنعه، ولم يكن له نظير جائز في الشرع يمكن إلحاقه به، ولكن كان فيه نفع ومصلحة.”[85]
ومن أضبط ما قرأت عن مفهوم الحاجة ما ذكره الشيخ عبد الله بن بيه حيث قال: “وباختصار فإن الفرق بين الضرورة وبين الحاجة يتجلى في ثلاث مراتب: مرتبة المشقّة ومرتبة النهي ومرتبة الدليل، فإن الضرورة في المرتبة القصوى من المشقّة أو من الأهمية والحاجة في مرتبة متوسطة. والنهي الذي تختص الضرورة برفعه هو نهي قوي يقع في أعلى درجات النهي لأن مفسدته قوية أو لأنه يتضمن المفسدة فهو نهي المقاصد بينما تواجه الحاجة نهياً أدنى مرتبة من ذلك لأنه قد يكون نهي الوسائل. أما مرتبة الدليل فإن الدليل الذي ترفع حكمه الضرورة قد يكون نصاً صريحاً من كتاب أو سنّة أو سواهما. أما الدليل الذي تتطرق إليه الحاجة فهو في الغالب عموم ضعيف يخصص، أو قياس لا يطرد في محل الحاجة، أو قاعدة يستثنى منها “[86].
ولكن هذه الأمثلة لا تستوعب المعنى الذي أشار إليه الإمامان الجويني والشاطبي، ولا يظهر أنها تمام مقصود الإمامين السيوطي وابن نجيم.
دعنا نضرب مثالًا. هب (وإن تنزلًا) أن التعليم العالي في التخصصات الدقيقة، كالطب والهندسة وغيرها، لا يمكن تحصيله إلا بالاقتراض الربوي. هل يباح لذلك؟ اللهم نعم، فإن المنع منها يقضي بحرمان أكثر المسلمين من التعليم العالي بدرجاته المختلفة، وفي ذلك من الضرر على الناس ما فيه. ولما كانت التصورات تسبق التصديقات، فإن الذي لا يتصور الفرق بين التعليم بالإم آي تي وغيرها من الجامعات المتميزة والتعليم في الكليات المحلية ولا يتصور أهمية التعليم العالي والتخصصات الدقيقة ولا يتصور كون التعليم عماد نهضة الأمم وقوتها سيما في أزمنتنا هذه، فلن يرى مسيس الحاجة إلى تيسير أسبابه لأبناء المسلمين.
ثم دعنا نأخذ مثالًا آخر. هب أن الأطباء ألزموا بوصف أدوية للمرضى الراغبين فيما يسمونه “الموت الرحيم”، ولم يكن للأطباء بد من ذلك، هل نلزمهم بترك تلك المهنة؟ ماذا لو تركوها؟ هل هناك مهن تخلو من المحاذير، وهل تستوعب كل المسلمين؟ فإن قلت فليهاجروا، فهل تهاجر كل الأقليات المسلمة، وإلى أين؟ وهل تلك البلاد التي يهاجرون إليها لا محاذير فيها؟
إننا ندرك خطر التوسع في تنزيل الحاجات منزلة الضرورات، ولكن الحاجات العامة الماسة قد تنزل منزلة الضرورة أحيانًا، وتقدير ذلك يحتاج إلى رسوخ في العلم ومعرفة تفصيلية بالواقع، فينبغي في عصرنا أن يكون جل الاجتهاد في حكم هذه المسائل جماعيا في صورة مجامع فقهية وهيئات علمية تجمع بين العلماء بالشرع والخبراء بالواقع.
إن كانت الحاجة وعموم البلوى وعسر الاحتراز قد تبيح بعض المحرمات، فإنها بالأولى تسوغ الأخذ بما اعتبرناه قولًا مرجوحًا، فإن كان ثمة حرج بالغ في قضية بعينها، فيمكن للمفتي أن يأخذ بقول الأحناف في قضية الإعانة على الإثم، فمتى كان بين فعل المسلم ووقوع المعصية فعل فاعل مختار فيؤذن فيه، إلا أن يكون في الفعل الأول مباشرة للمعصية أو بيع ما تقع به عينها أو إعانة على ما فيه ضرر للغير، فعندها ينبغي أن يكون هناك مزيد من التحرز وأن يرد الأمر للهيئات العلمية الموثوقة.
وخلاصة القول أن الحاجة في المجال الطبي إن كانت حقيقية غير متوهمة فإنها قد يكون لها الآثار الآتية:
- ترجيح قول ضعيف لأحد المعتبرين من الفقهاء، إذا لم يكن ضعفه شديدًا.
- إباحة محظور تتوافر فيه الشروط الآتية:
- ألا يكون مما ثبت بنص خاص قطعي الثبوت والدلالة.
- أن يكون من منهيات الوسائل لا المقاصد.
- أن تكون المشقة المترتبة على ترك المحظور فوق المشقة المعتادة في التكليف وليست قريبة منها، أو تسبب حرجًا لعموم الناس ولو في قطر من الأقطار، فعندها قد تكون لتلك الحاجة قوة الضرورة في إباحة المحظور.
المطلب الخامس: ما الحكم في التطبيقات المختلفة؟
بالرجوع إلى الترجيح في المطلب الثاني واستحضار الترخص من المطلبين الثالث والرابع، يظهر لي، والله أعلم، جواز ما يأتي في الممارسة الطبية خارج بلاد المسلمين مع بخصوص المريض غير المسلم:
كل ما وقع فيه خلاف معتبر بين أهل الإسلام، فلا يلزم حمل المرضى غير المسلمين على ما ترجح عندنا، وهذا يعني بناء على ما تقدم:
- كل دواء نجس لا بديل له – سوى الخمر الصرفة – جاز للطبيب المسلم وصفه لغير المسلم.
- حل وصف معجون الخمر (الكحول).
- حل وصف المخدرات والماريوانا وغيرها متى التزمت القوانين وروعيت المعايير المعتبرة عند أهل المهنة.
- حل المداواة بسماع المعازف.
- جواز كل عمليات التجميل التي وقع فيها الخلاف.
- جواز الإجهاض قبل نفخ الروح، وهو عند مئة وعشرين يوما عند عامة العلماء.
كل ما لم يكن محرمًا بإطلاق في كل الأحوال، ومن أمثلته:
- ربط قنوات فالوب، فإنه سائغ في بعض الأحوال دون بعض، فيحل فعله عند طلب المريضة.
- الجراحات الوقائية يجوز عملها لطالبها لاختلاف النظر في تقدير المصالح والمفاسد.
- التلقيح الصناعي لبييضة بنطفة من غير صاحب فراش، وذلك لصعوبة التحرز ولعدم إمكان الاستفصال من أحوالهم والتثبت من شرعية العلاقة، بل من المسلمين من لا يسجل زواجه، والتلقيح الصناعي مما يحل أحيانًا، فلا معصية في عينه كقطع عضو صحيح مثلًا من غير سبب.
ويحرم:
- الكذب على المريض وتضليله، كتشجيعه على تحويل جنسه مع عدم وجود خلل عضوي أو الاستمرار في علاقة محرمة.
- تغيير خلق الله وقطع عضو صحيح من غير سبب، ويدخل في ذلك عمليات تحويل الجنس للأصحاء بدنيًا.
- وصف الخمر الصرفة، وهذه ليست دواء في الشرع أو الطب.
- المساعدة فيما يدعى “القتل الرحيم”.
- التلبس بمباشرة المحرم، فلو حرمنا استعمال الكحول، لما جاز للمسلم تطهير الجروح به، ولكن الصحيح جوازه مع المسلم وغيره.
وهذه المحرمات قد يباح بعضها لمسيس الحاجة، بفتوى خاصة من هيئة علمية، كما لو تصورنا أن يلزم المسلم بوصف دواء لمن أقدم على تعجل الموت، ولا يكون له منه بد إلا بضرر بالغ، (وهو غير واقع الآن في شمال أمريكا، حتى كندا يمكن للطبيب فيها الاعتذار متعللًا بمانع الدين أو الضمير). والسبب في كون الحاجة الماسة قد تكون مبيحة هنا عند وقوعها هو أن عين المعصية في تعاطي الدواء، وهو فعل فاعل مختار، والضرر لا يتعدى الفاعل، فهو كتجويز الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – حمل الخمر لكون الشرب هو المعصية، وهو فعل فاعل مختار، وهو وجيه – لولا النهي الوارد بخصوص حملها – عند من لا يتوسع في سد الذرائع في معاملة غير المسلمين. ومع الإلزام الحكومي، إن حصل، ولم يكن التخلص منه ممكنًا، لا يسلم القول بالقصد إلى الإعانة على المعصية. فإن قيل إنه كبيع السلاح للحربيين وقطاع الطرق، قلنا الفرق هو أن هؤلاء يقتلون به غيرهم.
والمقصود هنا المباحثة لا الفتوى، كما نبهنا.
والله تعالى أعلم
وتم في العاشر من صفر 1445، وصلى الله على محمد والحمد لله رب العالمين.
فهرس المراجع
- اختلاف الأئمة العلماء. تأليف: أبو المظفر يحيى بن هبيرة الذهلي الشيباني. بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٣ هـ/٢٠٠٢ م.
- أسنى المطالب في شرح روض الطالب. تأليف:زكريا الأنصاري. القاهرة: دار الكتاب الإسلامي.
- إعلام الموقعين عن رب العالمين. تأليف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية. الرياض: دار ابن الجوزي، الأولى، ١٤٢٣ هـ.
- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم. تأليف: تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية. بيروت: دار عالم الكتب، لبنان.
- الأم. تأليف: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي. بيروت: دار الفكر، الثانية، ١٤٠٣ هـ – ١٩٨٣ م.
- الانتصار للقرآن. تأليف: أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني. عَمَّان وبيروت: دار الفتح ودار ابن حزم، الأولى، ١٤٢٢ هـ – ٢٠٠١ م.
- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف. تأليف: أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي. القاهرة: هجر للطباعة والنشر، الأولى، ١٤١٥ هـ – ١٩٩٥ م.
- الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف. تأليف: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري. الرياض: دار طيبة، الأولى، ١٩٨٥ م.
- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. تأليف: أبو بكر بن مسعود الكاساني. بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، ١٣٢٧-١٣٢٨ هـ.
- البيان والتحصيل. تأليف: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي. بيروت: دار الغرب الإسلامي، الثانية، ١٤٠٨ هـ – ١٩٨٨ م.
- تأويلات أهل السنة. تأليف: أبو منصور محمد بن محمد الماتريدي. بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، ٢٠٠٥.
- التبصرة. تأليف: أبو الحسن علي بن محمد اللخمي. قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الأولى، ١٤٣٢ هـ – ٢٠١١ م.
- تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. تأليف: عثمان بن علي الزيلعي. القاهرة: دار الكتاب الإسلامي، 1313هـ.
- تجريد القواعد والفوائد الأصولية. تأليف: أبو الحسن علاء الدين ابن اللحام البعلي. الكويت: ركائز للنشر والتوزيع، الأولى، ١٤٣٩ هـ – ٢٠١٨ م.
- تحفة المحتاج في شرح المنهاج. تأليف: أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي. القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى، ١٣٥٧ هـ – ١٩٣٨ م.
- تقريب فتاوى ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية. تأليف: أحمد بن ناصر الطيار. الرياض: دار ابن الجوزي، الأولى، ١٤٤١ هـ.
- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. تأليف: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني. بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، ١٤١٩ هـ – ١٩٨٩ م.
- تمهيد الفصول في الأصول. تأليف: أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي. حيدر آباد: لجنة إحياء المعارف النعمانية.
- التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب. تأليف: خليل بن إسحاق المالكي. الدار البيضاء: مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، الأولى، ١٤٢٩ هـ – ٢٠٠٨ م.
- التوضيح لشرح الجامع الصحيح. تأليف: أبو حفص عمر بن علي الأنصاري، ابن الملقن. دمشق: دار النوادر، الأولى، ٢٠٠٨ م.
- حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين. تأليف: أبو بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي. بيروت: دار الفكر.
- حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني. تأليف: علي الصعيدي العدوي المالكي. بيروت: دار الفكر، 1412 هـ.
- حاشية رد المحتار على الدر المختار. تأليف: ابن عابدين. القاهرة: مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الثانية، 1966م.
- درر الحكام شرح مجلة الأحكام. تأليف: علي حيدر. بيروت: دار الكتب العلمية.
- دقائق أولي النهى لشرح المنتهى. تأليف: منصور بن يونس البهوتي. بيروت: عالم الكتب، الأولى، ١٤١٤ هـ – ١٩٩٣ م.
- شرح القواعد الفقهية. تأليف: أحمد بن الشيخ محمد الزرقا.دمشق: دار القلم، الثانية، ١٤٠٩ هـ – ١٩٨٩ م.
- الشرح الكبير على متن المقنع. تأليف: أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن قدامة المقدسي. بيروت: دار الكتاب العربي، الأولى، ١٤٠٣ هـ – ١٩٨٣ م.
- شرح مختصر الروضة. تأليف: سليمانبن عبد القوي الطوفي الصرصري. القاهرة: مؤسسة الرسالة، الأولى، ١٤٠٧ هـ / ١٩٨٧ م.
- شرح مختصر خليل للخرشي. تأليف: محمد بن عبد الله الخرشي. بيروت: دار الفكر للطباعة.
- طرح التثريب في شرح التقريب. تأليف: زين الدين العراقي. بيروت: دار إحياء التراث العربي.
- غياث الأمم في التياث الظلم. تأليف: عبد الملك بن عبد الله الجويني. مكتبة إمام الحرمين، الثانية، ١٤٠١ هـ.
- الفتاوى الكبرى لابن تيمية. تأليف: تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. دار الكتب العلمية، الأولى، ١٤٠٨ هـ – ١٩٨٧ م.
- الفروع وتصحيح الفروع. تأليف: علاء الدين علي بن سليمان المرداوي. بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤١٨ هـ، الأولى.
- الفروع وتصحيح الفروع. تأليف: علاء الدين علي بن سليمان المرداوي. بيروت والرياض: مؤسسة الرسالة ودار المؤيد، الأولى، ١٤٢٤ هـ – ٢٠٠٣ م.
- الفصول في الأصول. تأليف:أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي. الناشر: وزارة الأوقاف الكويتية. الطبعة: الثانية، ١٤١٤ هـ – ١٩٩٤ م.
- كتاب الأموال. تأليف: أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي. بيروت: دار الفكر.
- كشاف القناع عن الإقناع. تأليف:منصور بن يونس البهوتي الحنبلي. الناشر: وزارة العدل في المملكة العربية السعودية، الأولى، (٢٠٠٨ م).
- المبدع في شرح المقنع. تأليف:لإبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح. الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الأولى، ١٤١٨ هـ – ١٩٩٧ م.
- المبسوط (الأصل). تأليف:محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، أبو عبد الله. كراتشي: إدارة القرآن والعلوم الإسلامية.
- المبسوط. تأليف: محمد بنأحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي. بيروت: دار المعرفة.
- مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر. تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن سليمان الكليبولي، المعروف بشيخي زاده. بيروت: دار الكتب العلمية، 1419 هـ.
- المجموع شرح المهذب. تأليف: أبو زكريا يحيى بن شرف النووي. إدارة الطباعة المنيرية، مطبعة التضامن الأخوي، القاهرة، ١٣٤٤ – ١٣٤٧ هـ.
- المجموع شرح المهذب. تأليف: يحيى بن شرف النووي. بيروت: دار الفكر، 1997 م.
- المحلى بالآثار. تأليف: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي. بيروت: دار الفكر. لا توجد طبعة أو تاريخ.
- المختصر الفقهي لابن عرفة. تأليف: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة. دبي: مؤسسة خلف أحمد الخبتور للأعمال الخيرية. الأولى، ١٤٣٥ هـ – ٢٠١٤ م.
- مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه. تأليف:إسحاق بن منصور الكوسج. الناشر: عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الأولى، ١٤٢٥ هـ – ٢٠٠٢ م.
- المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام. تأليف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية. جمعه ورتبه وطبعه محمد بن عبد الرحمن بن قاسم. الأولى، ١٤١٨ هـ.
- معالم السنن، شرح سنن أبي داود. تأليف: أبو سليمان الخطابي. حلب: المطبعة العلمية، الأولى، ١٣٥١ هـ – ١٩٣٢ م.
- معونة أولي النهى شرح المنتهى. تأليف:محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، الشهير بـابن النجار. مكة المكرمة: مكتبة الأسدي، الخامسة، 2008.
- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. تأليف:محمد الخطيب الشربيني. بيروت: دار الكتب العلمية، الأولى، 1994 م
- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج. تأليف: محمد الخطيب الشربيني. بيروت: دار الفكر.
- المغني. تأليف:أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي. الرياض: دار عالم الكتب، الثالثة، ١٩٩٧ م.
- الموافقات. تأليف:أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، دار ابن عفان، القاهرة، الأولى، ١٩٩٧ م.
- مواهب الجليل في شرح مختصر خليل. تأليف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن، المعروف بالحطاب. بيروت: دار الفكر. الثالثة، ١٤١٢هـ – ١٩٩٢م.
- الموسوعة الفقهية الكويتية. صادر عن: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت. الطبعة: (من ١٤٠٤ – ١٤٢٧ هـ).
- نهاية المطلب في دراية المذهب. تأليف:عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني. الناشر: دار المنهاج. الأولى، ١٤٢٨ هـ – ٢٠٠٧ م.
- الهداية في شرح بداية المبتدي. تأليف:علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني. بيروت: دار إحياء التراث العربي.
[1] حكم استعمال المخدرات في التداوي. بحث منشور في مجلة البحوث والدراسات الشرعية المحكمة – مصر، العدد الثاني عشر – يوليو 2013.
[2] انظر: المجموع شرح المهذب، النووي (بيروت: دار الفكر)، ج 9، ص 45؛ تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الزيلعي (القاهرة: دار الكتاب الإسلامي)، ج 6، ص 33.
[3] انظر: اختلاف الأئمة العلماء، يحيى بن هبيرة (بيروت: دار الكتب العلمية، ٢٠٠٢ م)، ج 2، ص 29؛ المبسوط، السرخسي (بيروت: دار المعرفة)، ج 14، ص 56؛ المجموع شرح المهذب، النووي، ج 9، ص 45؛ المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (بيروت: دار الفكر)، ج 6، ص 225؛ حاشية إعانة الطالبين، الدمياطي (بيروت: دار الفكر)، ج 4، ص 156.
[4] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الزيلعي، ج 6، ص 33؛ مجمع الأنهر، شيخي زاده (بيروت: دار الكتب العلمية)، ج 4، ص 224؛ درر الحكام شرح مجلة الأحكام، علي حيدر (بيروت: دار الكتب العلمية)، ج 4، ص 7.
[5] حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، علي الصعيدي العدوي (بيروت: دار الفكر)، ج 2، ص 642؛ شرح مختصر خليل للخرشي، محمد بن عبد الله الخرشي، (بيروت: دار الفكر للطباعة) ج 8، ص 109.
[6] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشربيني، (بيروت: دار الفكر)، ج 5، ص 518.
[7] أسنى المطالب في شرح روض الطالب، زكريا الأنصاري (القاهرة: دار الكتاب الإسلامي)، ج 4، ص 159.
[8] الفروع وتصحيح الفروع، المرداوي (بيروت: دار الكتب العلمية)، ج 2، ص 132.
[9] تحفة المحتاج في شرح المنهاج، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى)، ج 10، ص 219: «نعم لو أخبر طبيبان عدلان بأن المريض لا ينفعه لمرضه إلا العود عمل بخبرهما وحل له استماعه كالتداوي بنجس فيه الخمر»
[10] كشاف القناع عن الإقناع، منصور بن يونس البهوتي (وزارة العدل في المملكة العربية السعودية)، ج 4، ص 9: “«(ويحرم) تداو (بمحرم، أكلا وشربا، وكذا صوت ملهاة، وغيره) كسماع الغناء المحرم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: “ولا تتداووا بالحرام”»
[11] المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (بيروت: دار الفكر)، ج 6، ص 225: «وقد ذكرنا في ” كتاب ما يحل أكله وما يحرم ” من هذا الديوان إباحة الخمر لمن اضطر إليها لقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} [الأنعام: 119] فأغنى عن إعادته»
[12] الموسوعة الفقهية الكويتية (الكويت: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، 1427 هـ)، ج 20، ص 35.
[13] الانتصار للقرآن، محمد بن الطيب الباقلاني، (عمان: دار الفتح – وبيروت: دار ابن حزم(، ج 2، ص 731؛ الفصول في الأصول، أحمد بن علي الجصاص (الكويت: وزارة الأوقاف الكويتية 1994 م)، ج 2، ص 159.
[14] معالم السنن، أبو سليمان الخطابي،(حلب: المطبعة العلمية)، ج 02، ص10.
[15] تمهيد الفصول في الأصول، أبو بكر السرخسي (حيدر آباد: لجنة إحياء المعارف النعمانية)، ج 01، ص 74..
[16] الفصول في الأصول، أحمد بن علي الجصاص (الكويت: وزارة الأوقاف الكويتية)، ج 2، ص 160.
[17] المصدر السابق
[18] المصدر السابق ج 2، ص 159
[19] التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب، خليل بن إسحاق، (الدار البيضاء: مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث)، ج 06، ص 252.
[20] مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، الحطاب الرُّعيني، (بيروت: دار الفكر)، ج 05، ص 419.
[21] التبصرة، اللخمي، (قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2011)، ج 10، ص 4966.
[22] التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب، خليل بن إسحاق، ج 7، ص 169.
[23] المختصر الفقهي، ابن عرفة (دبي: مؤسسة خلف أحمد الخبتور للأعمال الخيرية)، ج 8، ص 204.
[24] تحفة المحتاج ، ابن حجر الهيتمي ، ج 9، ص 259.
[25] المجموع شرح المهذب، النووي، ج 3، ص 4ـ
[26] وهو قول مرجوح في المذهب عند المتأخرين، ولكن لا يجبرها على غسل الجنابة. وفي التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع (ص374): (وتجبر) مسلمة بالغة (على غسل جنابة، وله إجبار ذمية على غسل حيض) ونفاس وعنه (لا).
[27] تجريد القواعد والفوائد الأصولية، أبو الحسن علاء الدين ابن اللحام البعلي (الكويت: ركائز للنشر والتوزيع)، ص 29.
[28] معونة أولي النهى شرح المنتهى، محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي الحنبلي، الشهير بـابن النجار (مكة المكرمة: مكتبة الأسدي)، ج. 5، ص. 170.
Maʿūnat ʾŪlī al- Nuhá Sharḥ al-Muntahā, Muḥammad ibn Aḥmad ibn ʿAbd al-ʿAzīz al-Futūḥī, Ibn al-Najjār (Mecca: Maktabat al-Asadī), v. 5, p. 170.
[29] كشاف القناع، البهوتي، ج 9، ص 62.
[30] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرداوي (القاهرة: هجر للطباعة)، ج. 14، ص. 316.
[31] الشرح الكبير على متن المقنع، عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، (بيروت: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع)، ج. 4، ص. 14.
[32] كشاف القناع، البهوتي، ج 7، ص 373.
[33] الفروع وتصحيح الفروع، علاء الدين علي بن سليمان المرداوي (بيروت: مؤسسة الرسالة، و الرياض: دار المؤيد)، ج 4، ص 119.
[34] كشاف القناع، البهوتي، ج 7، ص 313.
[35] كشاف القناع، البهوتي، ج 7، ص 238.
[36] دقائق أولي النهى لشرح المنتهى، منصور بن يونس بن إدريس البُهوتى (بيروت: عالم الكتب)، ج 3، ص 423.
[37] الفروع وتصحيح الفروع، المرداوي، ج 4، ص 119.
[38] المبدع في شرح المقنع، لإبراهيم بن مفلح، (بيروت: دار الكتب العلمية)، ج 4، ص 416.
[39] مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، إسحاق بن منصور الكوسج، (عمادة البحث العلمي، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، ج 6، ص 2819.
[40] تمهيد الفصول في الأصول، أبو بكر السرخسي (حيدر آباد: لجنة إحياء المعارف النعمانية)، ج 01، ص 73
[41] المصدر السابق
[42] المصدر السابق
[43] المصدر السابق، ج 01، ص 74
[44] المصدر السابق، ج 01، ص 76
[45] المصدر السابق، ج 01، ص 76
[46] المصدر السابق، ج 01، ص 78
[47] المصدر السابق، ج 01، ص 75
[48] تأويلات أهل السنة، أبو منصور الماتريدي، (بيروت: دار الكتب العلمية)، ج 9، 60
[49] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني، (بيروت: دار الكتب العلمية)، ج 7، ص 147.
[50] حاشية رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين (القاهرة: مكتبة مصطفى البابي الحلبي)، ج 6، ص 392.
[51] المصدر السابق، ج 6، ص 391.
[52] المصدر السابق
[53] الهداية في شرح بداية المبتدي، لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني (بيروت: دار إحياء التراث العربي)، ج 4، ص 378.
[54] حاشية رد المحتار، لابن عابدين، ج 6، ص 391.
[55] المصدر السابق
[56] طرح التثريب في شرح التقريب، لزين الدين العراقي (بيروت: دار إحياء التراث العربي)، ج 3، ص 237.
[57] كتاب الأموال، لأبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (بيروت: دار الفكر)، ص 62.
[58] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للخطيب الشربيني (بيروت: دار الكتب العلمية)، ج 3، ص 449.
[59] البيان والتحصيل، لأبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (بيروت: دار الغرب الإسلامي)، ج 18، ص 614.
[60] الشرح الكبير على متن المقنع، ابن أبي عمر ، ج. 4، ص. 14.
[61] تقريب فتاوى ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية، أحمد بن ناصر الطيار (الرياض: دار ابن الجوزي)، ج 4، ص 164.
[62] المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام، تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، جمعه وطبعه محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ج 3، ص 73
[63] الفتاوى الكبرى لابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، (بيروت: دار الكتب العلمية)، ج 3، ص 368.
[64] الفروع وتصحيح الفروع، المرداوي، ج 6، ص 169.
[65] المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ج 4، ص 5
[66] المبسوط، السرخسي، ج 14، ص 56؛
[67] الأم، محمد بن إدريس الشافعي، (دار الفكر، بيروت)، ج 7، ص 379.
[68] الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لأبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر، (الرياض: دار طيبة)، ج 11، ص 236.
[69] المغني لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، (دار عالم الكتب، الرياض)، ج 6، ص 99.
[70] المبسوط، السرخسي، ج 14، ص 57؛
[71] التلخيص الحبير، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني، (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى)، ج 4، ص 397.
[72] المبسوط، السرخسي، ج 14، ص 57؛
[73] المغني لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، (دار عالم الكتب، الرياض)، ج 6، ص 99.
[74] المبسوط، السرخسي، ج 10، ص 95
[75] نهاية المطلب في دراية المذهب لعبد الملك بن عبد الله الجويني، (دار المنهاج)، ج 18، ص 51.
[76] التوضيح لشرح الجامع الصحيح لسراج الدين أبو حفص عمر بن علي، ابن الملقن، (دمشق: دار النوادر)، ج 15، ص 74.
[77] إعلام الموقعين عن رب العالمين لمحمد بن أبي بكر بن أيوب، ابن القيم، (الرياض: دار ابن الجوزي)، ج 4، ص 337.
[78] اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لتقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، (بيروت: دار عالم الكتب)، ج 1، ص 53.
[79] غياث الأمم في التياث الظلم لعبد الملك بن عبد الله الجويني، (مكتبة إمام الحرمين)، ص 479.
[80] المصدر السابق
[81] الموافقات لأبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي، (القاهرة: دار ابن عفان)، 2/21..
[82] الأم، الشافعي، ج 3، ص 28.
[83] شرح مختصر الروضة لنجم الدين سليمان بن عبد القوي الطوفي ، (القاهرة: مؤسسة الرسالة)، 3/207.
[84] شرح القواعد الفقهية لأحمد بن الشيخ محمد الزرقا، (دمشق: دار القلم)، ص209.
[85] المصدر السابق، ص 210
[86] من مقالات له بعنوان “صناعة الفتوى وفقه الأقليات” على موقع الإسلام اليوم.